منذ قيام الثورة وأنا أتبني مواقف الليبراليين، لأنها الأكثر قوة وأكثر وضوحاً ولم تكن تخضع لأي اعتبارات أو حسابات للمكاسب والخسائر، وهذه هي الحالة التي تتماشي مع الحالة الثورية التي كنا فيها.
رأيت منهم احتراماً وحباً لمصر وعشق أصيل لكل ما هو مصري، رأيت منهم إيماناً بالثورة ومواقفاً لا تتزعزع من المجلس العسكري الخائن الواضح الخيانة.
وفي الفترات الحرجة اعتدت علي تقييم التوجهات والتيارات المتاحة علي الساحة وتوجيه النصح لمن أراد النصيحة ونشرت علي هذه المدونة في بداية الثورة تدوينة موجهة للإخوان قبل فوزهم بأغلبية البرلمان وقبل قيام أي جدليات حول مواقفهم السياسية لأني توقعت نوعية الأخطاء التي من الممكن أن يقعوا فيها ونشرتها بعنوان " ملو الكستبان في نصيحة الإخوان" وهذا هو رابطها المباشر:
http://drdiaadiab.blogspot.com/2011/04/blog-post_30.html#comments
والحقيقة كان تفاعل الإخوان معها ايجابياً فقد حققت أعلي نسبة قراءة بين كل ما نشر في المدونة منذ انشاءها.
واليوم وبعد سنة ونصف من تبني الصف الليبرالي، أرجو أن يتسع صدر المخلصين منهم لملاحظاتي التالية، فمصر تحتاج منا جميعاً إلي تصحيح المسار والعيوب التي تشوب العمل الحركي.
هناك بالونات منفوخة بالهواء الأجوف يجب أن يتخلص منها الليبراليون حتي تتحول الأيديولوجية إلي واقع عملي علي الأرض.
البالونة الأولي: " الحرية"
ما أروع عشق الليبراليين للحرية، لكنها للأسف حريتهم هم فقط، يعني الكاتبة الليبرالية حره في أن تنتقد وتسب بأقذع الألفاظ كحبيبة قلبنا كلنا الثورية نوارة نجم، لكن أن تقدم امرأة بسيطة علي بابا الله من الحرية والعدالة وتصرح أن مرشحها "مدعوم من الله" تقوم الدنيا ولا تقعد فوق رأسها وتتحول الجملة من مجرد تعبير عن الرأي وأمل في أن مرشحها الذي تحسبه يحمل الخير لبلدها "ربنا يوفقه" أو " ربنا معاه" يتحول الموضوع إلي هجوم ضاري واتهام بالكهنوت بل ومصادرة حقها في أن تتكلم.
الليبرالي من حقه ينتقد ويسب ويجرح، لكن اذا وجه له الآخر نقداً، هب فيه الليبرالي كوابور الجاز الخربان ونط في كرشة وجاب مصارينه، وقد حدث معي هذا شخصياً.
البالونة الثانية: "لا أحد فوق النقد"
مسموح بانتقاد المشايخ والاسلاميين بشتي الطرق والعبر، لأننا لا نريد كهنوت وليس لدينا قداسة لأحد، لكن جرب كده حضرتك وانتقد شخصية ليبرالية أو حتي فرد عادي؟ لن تجد إلا الا الهجوم العنيف المباشر ثم الإتهام بمحاكم التفتيش، وكأن النقد خلق ليكون للخصم فقط والخصم عادة وأبداً ما يكون أي حد والسلام من التيار الإسلامي !
البالونة الثالثة: " النقد البناء"
وهذا أكثر ما يضحكني في البلالين كلها، فمجمل النقد الذي أراه من أصدقائي وأحبائي الليبراليين يكون من عينة "الاستبن" وال "كاوتش" وال "احتياطي" وللأسف يأتي هذا النقد بالعكس تماماً، فعندما يفاجأ رجل الشارع أن هذا الاستبن أستاذ في الهندسة ويحمل أكثر من دكتوراه وقام بالتدريس في خمس جامعات وحصل علي أفضل برلماني في العالم، يشعر أنه تم خداعه ويتعاطف أكثر معه ويعلم أن ما يقال عنه محض افتراء.
وعندما تتبع المصادر التي يأتي منها النقد تجدها إما جريدة قامت بتحوير الكلام أو التصريح، وإما فيديو محتواه مبتور أو عنوانه لا يتوافق مع محتواه أو نوت أو صفحة تحمل أي اسم مثل "إئتلاف شبرا العنب" أو "امسك أنفي من فضلك" وأخبث الطرق هي سرد ادعاء كأنه حقيقة واقعة وأكيده وهي الطريقة العثمانلي: " واحد قالِلي" وعندما تضيق عليه الخناق يقول لك: "واحد ثقة" وغالباً ما يأتي هذا الثقة بأخبار تشبه أحداث ميشين أومبوسيبول ويتطلب تصديقها ان سعادتك تكون راكن الفيل أبو زلومه في ذاكر حسين وواكل مانجه هندي ومستحمي بحمام بحمام هندي ومتبخر ببخور هندي حتي لا يحسدك الجميع علي ذكاءك ونباهتك.
البالونة الرابعة: " العمل السياسي"
للأسف في الوقت الذي يتفرغ فيه الإخوان والتيار الاسلامي للعمل الدؤوب والمستمر والمضني، يكتفي الليبراليون بتتبع سقطات الآخر وتسليط الضوء عليها، ويقضون معظم الوقت علي الفيس في تبادل الفيديوهات والمقالات والتويتات في الإتهام والتشويه أحياناً ويتحول الموضوع إلي ردح سياسي وتضييع للوقت، بينما الإخوان يعملون كالنحل الدؤوب في كل شارع وزاوية وحارة، ثم بعد ذلك يتحدث الليبراليون عن استخدام الإخوان للحشد والمغالبة والاستفراد بالسلطة !
لماذا لا تنزلون للواقع المرير في الشارع كما يفعلون؟ لماذا لا تعرقون وتتغبر أقدامكم وتنحتوا في الصخر كما ينحتون؟ لماذا تتوقعون أن تصلوا لحكم مصر عن طريق الكيبورد فقط؟
البالونة الخامسة: "النزاهة"
للأسف هذه البالونة هي ما دعتني لكتابة هذه التدوينة، بوست رأيته ينتشر انتشار النار في الهشيم عن عضو بالحرية والعدالة شاذ جنسياً، هالني العنوان وعندما تتبعته وجدته مأخوذ من ويب سايت أصفر، مصدره أمريكا وعندما تقرأ المحتوي تجده ويب سايت لتعقب الارهاب، يقول أن هذا لعضو متهم "لاحظ اللفظ" "متهم" بالتحرش الجنسي بالأطفال، وعندما تتعمق أكثر في محتوي سبب الاتهام تجده أنه أثناء تفتيش حقائبه تم العثور علي مواد إباحية علي اللاب توب الخاص به عند خضوعه لعملية تفتيش عشوائي في مطار جون كينيدي، دون أي دليل رسمي، وللأسف رأيت هذا البوست علي حوائط ناس غاية في الاحترام والثقافة والعلم والجاه، وحين تجرأت للفت نظر بعضهم إلي ان هذا يفتقر للنزاهة، هوجمت بمنتهي العنف والشراسة والصفاقة أيضاً، فالليبرالي من حقه يقول أي حاجه، ولا أحد فوق النقد، انما غيره لا حق له في أن يراجعه حتي ولو كان ينتقد بالباطل، أصبحت أشعر أنني كعادل إمام في فيلم "نص ساعة جواز" في المشهد العبقري الذي يقول له فيه المخرج "ايوه أستاذ يوسف شعبان يبوس، انت تنضرب بس". يعني الليبرالي ينتقد، كما يشاء، بالباطل بالحق، غير مهم، الليبرالي يبوس، لكن حضرتك، تنضرب بس !
أن يتراجع الإخوان عن وعد أو عن موقف سياسي، فهذا كذب وخيانة، أما أن يتراجع الليبراليون عن مساندة أبو الفتوح، فهذه حرية وحنكة سياسية. أن يتوافق الإخوان علي شيء أو مرشح فهم يأخذون أوامرهم من المرشد، اما أن يتوافق الليبراليون علي حمدين صباحي، فهذا مجرد توارد خواطر طبعاً.
أن يتراجع الإخوان عن وعد أو عن موقف سياسي، فهذا كذب وخيانة، أما أن يتراجع الليبراليون عن مساندة أبو الفتوح، فهذه حرية وحنكة سياسية. أن يتوافق الإخوان علي شيء أو مرشح فهم يأخذون أوامرهم من المرشد، اما أن يتوافق الليبراليون علي حمدين صباحي، فهذا مجرد توارد خواطر طبعاً.
البالونة السادسة: " التعميم"
وهذه آفتنا جميعاً وليس الليبراليين فقط، فإذا أخطأ أي فرد ينتمي للتيار الاسلامي فالخطأ يعم علي الكل، دون استثناء، لدرجة أنك عندما تحادث زميلك في موضوع يقول لك "أصل انتم" "انتم عملتوا" انتم قلتم" ياعم الحاج احنا مين؟ حادثني باسمي وعن نفسي، علي رأي فؤاد المهندس: أنا اسمي مفتاح وبيد لعوني يقولوا لي يا تااااح. ان أكبر اسفين في جسد الوطن هو استخدام اللفظ "أنتم" وهي تفتح باب التشتت الجمعي الانتقامي وتفتح الباب للاستقطاب علي مصراعيه.
حاسبني علي رأيي، كلمني باسمي، ولا تلق علي أخطاء جماعتي أو التيار الذي أنتمي اليه.
هذه البلالين يا ساده يحملها الجميع، تيار اسلامي وليبراليين معاً، لكني أخص بها التيار الليبرالي لأنهم لا يرون ذلك، ويرون أنهم يتسمون بالنزاهة والموضوعية والعدل والحرية وهذا للأسف غير صحيح.
وبدون فش هذه البلالين، سيبقي الانحراف موجوداً وسيبقي المسار معوجاً وستبقي الفرقة بين الليبراليون وأصحاب المشروع الإسلامي.
ولقد توصلت إلي سبب هذه الفرقة، فالليبرالي لا يعرف شيء عن منهج صاحب المشروع الإسلامي والعكس، نحن يعرف بعضنا بعضاً من خلال اليوم السابع والمصري اليوم والإعلام فقط، لم يجلس أحدنا مع الآخر ليسمعه ويستمع الي أحلامه وأهدافه وطموحاته.
لا أتصور الوطن ينهض دون الوجوه المتوضأة والنفوس الملتزمة، لا أتصور البناء بدون شخص مكافح ومتزن كأسامة ياسين أو البلتاجي أو مرسي أو أبو الفتوح، ولا أتصور النهضة بدون كاتب وطني نظيف كوائل قنديل أو عمرو الشوبكي، أو ليبرالي معتدل مثل حمزاوي.
لدينا سطحية مضحكة، فالليبرالي يعتقد أن الإسلامي ها يلبس أمه النقاب، والإسلامي يري أن الليبرالي هايقلع أمه الحجاب، وأنا أعتقد ان لم يتفق الاثنان علي صيغة للتعايش باحترام داخل الوطن الواحد، سيأتي اللي هايقلع عين أمهم هم الاثنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق