جيلي هو جيل الكهول الذي نشأ في السبعينات وتربي في الثمانينات، جيلي هو جيل الجبن والخوف، جيل الصمت، جيل التمركز حول الذات والأناماليه.
قبل جيلنا كل أنواع الهوان والذل، قبلنا أن يموت حلمنا بل وأن نقتله بإرادتنا أحياناً من اجل ان نحيا، أي حياة. لا نعرف معني المستقبل ولا ندرك قيمته. الحرية بالنسبة لنا تشبه ارتداء حذاء التزلج، شيء مستحيل وعالي المخاطر.
حينما بدأ الربيع العربي وأتتنا رياح الحرية من تونس لم نشعر لها بالحماسة وأطلقنا النكات من عينة "إذا الشعب المصري أراد الحياة فليبحث علي تردد 11235" انتظرنا لنري ماذا سيفعل هؤلاء الشباب الملاحيس يوم 25 يناير، ومع أن اليوم كان مبشراً إلا اننا قلنا لا فائدة لا يمكن قهر آلة القمع الجبارة لنظام مبارك، وجلسنا خلف الكي بورد كعواجيز الفرح ننتظر ماذا سيفعل هؤلاء الشباب المتهور في جمعة الغضب.
والحمد لله أن هناك من جيلنا بعض الأحرار الذين خرجوا يوم جمعة الغضب وسلموها لله، لكن غالبيتنا علي ما أعتقد ظل في مقاعد المتفرجين، وفي جمعة الغضب اكتشفنا ولأول مرة أن أسطورة الطغاة كانت وهماً صنعناه من خوفنا وجبننا، وطربت آذاني وانا أسمع تميم البرغوثي يردد "الدولة مافضلش منها غير شوية شوم ولو مش مصدق تعالي عالميدان عاين"
وذاق الشعب المقهور حلاوة الصمود وحلاوة كلمة لا.
وضرب شبابنا "السيس" اروع الأمثلة في البطولة والفداء حتي أصبح شعبنا الذي كان أضحوكة العالم قصة حالمة تتطلع اليها الدنيا بأسرها وتحول التحرير إلي يوتوبيا يندر أن تتكرر في التاريخ.
لكن جيل العجائز اصر علي ضياع الحلم، ومع أول دعوة للتشرذم والتفرق تفرقنا، وتشاحنا بصورة أذهلت أعداءنا، ظهر اسوأ ما فينا، وكيف لا وقد عشنا أربعون عاماً في حظيرة النظام حتي اصبحنا جيلاً مدجناً.
عشنا طوال عمرنا بلا هدف ولا غاية، وفجأه أردنا أن نظهر بمظهر المخضرمين فراح كل منا يبحث عن راية ينضوي تحت لوائها، وصرنا كسيدة غشيمة تلطخ وجهها بكل أنواع الزينة بلا ادني دراية أو فن عن كيفية استخدامها.
ويقف المتشدق ليتحدث ويجادل، فلا هو ليبرالي ولا يفهم شيء عن الليبرالية ولا هو وطني ولا يفهم شيء عن الوطنية ولا هو اشتراكي ولا يفهم شيء عن الاشتراكية واحياناً يكون لا هو اسلامي ولا يفهم شيء عن الجماعات الإسلامية ؟!
أضاع جيلنا بهجة الاجيال الشابة، واضاع حلم الوطن، وصار التمزق والتمزيق لدينا شهوة وشبق في ذات الوقت.
واليوم لم يكتف هذا الجيل بهذا القدر، بل اتجه إلي صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس ليقتل ما تبقي من الحلم ويدهس علي أشلاءه، تعجبت من كم الذين يبتسمون لك في بلاهة ليخبرك أنه سينتخب عمرو موسي، أو الذي يقف في تحدي بعيون زائغة ليتحدث بنبرة الأهطل الواثق، انه سينتخب شفيق، او الذي يشبع كل الفصائل سباباً وقذفاً ثم لا يتحرك من مكانه ترفعاً وانفة ويترك الكل يزاجه مصيره المحتوم، إلا من رحم الله، وقليل ما هم.
راينا كل معاني الوفاق تنهار، حتي بين الذين ظلوا سنوات يعلموننا الإخلاص وانكار الذات والتجرد وظلوا يرددوا لنا قصة الثيران الثلاثة قبل النوم حتي حفظناها كأسمائنا.
لو ضاع حلمنا وتمكن الفلول والطغاة من الانقلاب علي ثورتنا المباركة، فسيكون جيلنا هو السبب، وستلعننا الأجيال القادمة.وإن نجانا الله من هطل السفهاء الذين يقودوننا للهاوية، فالنبذل ما تبقي من عمرنا لمحاولة التكفير عن خطايانا ولنساعد الأجيال الأصغر علي تحقيق حلمها.
صلوا وتضرعوا إلي الله أن ينجينا من غضبه ومقته وأن ينجينا من ما فعله السفهاء منا، تضرعوا إلي الله وابكوا وتبتلوا في الدعاء‘ عسي الله أن ينصر من ثبتوا علي الحق ويعطينا فرصة للتكفير عن جرائمنا في حق أنفسنا وفي حق أوطاننا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق