ليت كل فنان أو سياسي يركز في فنه أو موهبته ويدع الحديث فيما لا يعنيه ولا يدركه، أو علي الأقل يستشير مدير أعماله أو من يفهم فيما يقال وما لا يقال.
الفنان عمرو دياب كان ضيفاً علي أحد البرامج في قناة دبي وبدون مناسبة وفي سقطة غريبة قال أنه لا يفهم أغنيته رصيف نمرة خمسة التي غناها في فيلمه الأشهر "آيس كريم في جليم" !!
الحقيقة أصبت بصدمة ولا شك أن معظم جمهوره وجمهور الكلمة المكتوبة بإبداع قد أصيبوا بصدمة أيضاً. فأغنية رصيف نمرة خمسة هي من أعمق وأجمل ما غني عمرو عبر تاريخه الفني كله، انها أيقونة ولؤلؤة متفردة تماماً كأعمال كوثر مصطفي التي غناها الكينج مثل "ساح يا بداح" و "طفي النور يا بهية" لأحمد فؤاد نجم وألحان حمدي رؤوف و "حلقاتك برجالاتك" وحادي يا بادي وكل أغاني مسرحية الملك هو الملك للمبدع سعد الله ونوس.
" رصيف نمرة خمسة" ؟ انها أغنية ابداعية لم يكتب مدحت العدل قبلها ولا بعدها مثلها!!
ولا أدري لماذا لم يسأل عمرو مدحت العدل أو أي من الزملاء في معني كلمات الأغنية التي أعطت الفيلم روحاً وقيمة أنقذته من سطحيته وفراغه وخفته؟
بلاش، ألم ينبض احساسك ويترك نفسه كالطفل الذي تعلم المشي تواً ويسلم القياد لمطلعها اللبق " رصيف نمرة خمسة والشارع زحام...... وساكت كلامنا ما لاقي كلام
الأغنية تصف باختصار وعمق الشارع المصري بين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. وتعبر عن حالة الدهشة التي أصابت المجتمع بعد الانفتاح: تسالي يا خال؟ تدخن يا عم؟ تتوه المعاني في لساني لجام».
ثقافة الزحمة والضوضاء والرغي التي اقتحمت حياتنا وتضيف: "كلاكس التروللي بيسور وداني..... وشحتة المزيّن بياكل وداني"
لتنتقل فجأة بسرعة خاطفة وناعمه إلى بعد اقتصادي سياسي، فيخاطب المغني البسيط أو الذي يبدو بسيطاً «نادي باريس» (المجموعة الدولية لجدولة ديون الدول الفقيرة) قائلاً: «يا نادي باريس.... تعالى حاسبني..... وجدول ديوني..... عشانه وعشاني.
بمفردات بسيطة، تتناول الأغنية أيضاً القسوة الاجتماعية والمظاهر الفارغة والنفاق في آن واحد " وعبد الله رشدي المحامي القدير (ولاحظ عبقرية توزيع اللحن النهاوند في جملة تبجيل المحامي ثم الإنتقال الي مقام صبا في وصف حال بتاع البليله الرقيق، يعني الكلمات واللحن ليست صدفة مطلقاً) ثم يفاجأنا بمقطع: ..... بيرفع قضية في باب الوزير.... على عم فكري بتاع البليلة...... عشان مرة زعّق بصوته الجهير.
ثم تصف هوس الانفتاح والطبقات التي لا تحمل سوي الجري وراء الماده علشان تقب علي وش الدنيا: : " بقالة الأمانة ونصحي السروجي... عاملين لي شركة في مشروع بوتيك....... ونادوا لعبده الفرارجي يشاركهم..... فردّ بألاطة ما احبش شريك"
ثم تتطرّق إلى مآل الحياة في ظل هذا المجتمع الاستهلاكي: " تبزنس تعيش لآخر حياتك.... ولو باعوا فرخة هاتاخد عمولة "
وصولاً إلى مجتمع مشوه قعيد عاجز يملأ شوارعه " أطفال عجايز.... في مهد الطفولة.... وأفلام قديمة وإعلان كاكولا.
ويختم الأغنية بصورة غنية ومحببة لأي شخص عاش في الحارة المصرية وشوارعها الشعبية بوصف حال الشارع الذي يعبر فيه الترام بين أجساد الناس وأقفاص الخضر والفاكهة : ترماي بسنجة في روض الفرج....وأعمار تعدي ليجي الفرج ...... ولا البحر باين لآخره مراسي ......ولا حد راسي منين الفرج ....منين الفرج
ثم يفاجئنا «الهضبة»
بغناء المقطع الأخير من دون أن يذكر كلمة " كاكولا ". لكنّ لم يكن ذلك وليد الصدفة، فقد كرّرها الهضبة مرّتين، مكتفياً بإشارة من يده، في ما بدا انحيازاً أكثر من اللازم لتعاقده الإعلاني مع «بيبسي» المنافس الشرس لكوكا كولا.
و يحكي ساخراً: أيام كنا بنتعلم في الأكاديمية (أكاديمية الفنون) كنت تلاقي ناس بيكتبوا: يا نخلة طالعة نازلة طارحة سنابل قمح، واحنا نقولهم برافو، ثم قررنا نعمل أغنية زيهم، (قاصداً أغنية غير مفهومة). ثم يقترح إطلاق مسابقة على الإنترنت لمن يفهم أغنية " رصيف نمرة خمسة " التي يصفها بأنّها " كانت في الفيلم اللي كنت عامله كده من ييجي عشرين سنة"، وقبل أن يغنيها، «يطمئن» الجمهور إلى أنّه سيغني بعدها أغنية " بصراحة بحبها "
ليه كده يا عمرو؟ ليه كده يا ابن عم والدي؟
لماذا يصر الفنان علي تحطيم أجمل ما قدم، ظننت أن شخصية سيف في الفيلم حينما تخلي عن زميله اليساري نور والفنان البوهيمي زرياب ليقدم " ما يطلبه الجمهور " كان يمثل نفسه، فإذا به يمثل الهضبة في الحقيقة. ليتك ما تكلمت يا عمرو. دع لنا رصيف نمرة خمسة طالما مش عجباك لأني " بصراحة بحبها "
ومع كامل احترامي، اليكم رابط الأغنية العبقرية لكل من لم يراها من الأجيال الحديثة، وكل من لديه حنين من الأجيال القديمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق