بدأت كتابة هذا المقال في مطار أمستردام، وأكملته علي الطائره المتجهه الي مطار القاهره حيث اعتاد فرع أمن الدوله ايقافي تحت بند "مطلوب فوري" وارجاعي خلف الخط الأصفر ثم تفتيش حقائبي حته حته ثم التحقيق معي وبعد فتره تتراوح من ساعه لساعتين يطلقون سراحي بعد أن تصبح حقائبي مثل فرشة بياع في سوق الكانتو. يحدث هذا معي منذ 15 سنه في كل مره أدخل فيها أي من مطارات وموانيء مصر. والطائره تقترب من الهبوط الآن يدفعني الفضول هل سيتم ايقافي مثل كل مره؟ هل فعلاً تم تجميد نشاط أمن الدوله؟ سأعرف حين أسلم جواز سفري لضابط الجوازات، هل سيقول لي "اتفضل" مع ابتسامه لطيفه، ام سيتجهم كالعاده ويقول لي "خش جوه" وأنا فاهم الباقي؟ سأكتب ما يجول بخاطري الآن وأخبركم في نهاية المقال حين أدخل الحدود، مصر وحشتني جداً. نلتقي بعد الفاصل.
القلم السسياسي أو البوليس السياسي ومشهد العساكر بالطرابيش وهم يقتادون رشدي أباظه أو عمر الشريف للمعتقل يرسب في أذهاننا صوره سيئه ومنفره عن هؤلاء الناس الوحشين. وفي نهاية فيلم غروب وشروق كان المخرج غارقاً في بانيوهات الأمل والحلم حينما صور لنا حسن يوسف ورشدي أباظه يخرجون من الزنزانه وشروق الشمس يرفرف فوقهم كورقاء حالمه فرحاً بفناطيس الحريه التي ستأتي بها ثورة 23 يوليو. فاذا بصلاح نصر والحمزه بسيوني وشمس بدران يضعون السيخ المحمي في أمبولٌة الشعب وتلعب المخابرات بأصبعها القذره في جميع أجزاء جسده بحثاً عن اي دليل ادانه يهدد حياة معبود مصر الأول ومعشوقها الأوحد ناصر كلنا بنحبك.
كانت المخابرات هي النسخه المعدله من القلم السياسي وما حدث في الأبرياء والمعارضين بالآلاف لا زال حتي الآن سراً يصعب البوح به وقصص تترنح بين الخيال والأهوال تفضل الأجيال انكارها حتي لا تتنغص عيشتها وعيشة اللي خلفوها، ومات الزعيم الخالد وجاء الرئيس المؤمن وهدم السجن الحربي وقام بحبس فلول النظام الأسبق وأشرقت علينا "ثورة التصحيح" وظن الشعب أن السيخ المحمي انسحب الي غير رجعه، وتوحدنا نحو هدف واحد وكان العبور العظيم وطار الجميع من الفرحه وفرد جناحه علي الهوى زي اليمامه وطار ورفرف في الفضا.
ولكن دوام الحال من المحال والكيميا غداره، جاء خريف الغضب وجاء معه السيخ المحمي وعادت أمبولة الشعب للتألق من جديد بسيخ من حديد، واغتيل الرئيس المؤمن وجاء الرئيس المنوفي وأخرج السجناء وطبطب علي الشعب وقال " لن أصادر رأي ولن أقصف قلم" وأخرج السيخ المحمي.
ولكن يبدو أن أمبولة الشعب المصري موعوده ووعد الأمن دين عليه وبرز جهاز أمن الدوله ونما وتوحش حتي اصبح يعرف العفريت مخبي ابنه فين والنمله بتقول لابن عمها ايه؟ وعلم الجميع أن للمنوفي جيش يحميه، فقام الشعب باستئصال حريته طواعية وتقوقع وتبزق وتلولب وأصبحنا كلنا ننتمي لحزب "الأناماليه" وتوحدت الامه علي هدف واحد وهو لقمة العيش. ودخل الرئيس المخلوع وشلته جنة مصر هم فيها خاربون. وأصبح اسم الجهاز الشرس "جهاز مباحث أمن الدوله" يصيب بالرعب والأسهال من أول نظره.
وجاء اليوم الموعود، عيد الشرطه اللذي أصبح عيداً لكل المصريين 25 يناير وسقطت أحجار الدومينو وسقطت الأصنام صنماً تلو الآخر. وانقض الشعب في مشهد غريب ومحير يتلألأ بعلامات الاستفهام واسقط جهاز أمن الدوله بعد فاصل من الحرق والفرم لأسرار الله وحده يعلم ماذا كانت تحوي في ارحامها سفاحاً. ملف لكل مواطن وسي دي وفيلم فيديو لكل عربي أو دبلوماسي هنكر علي ارض مصر واتشاقي في اوتيلاتها وبدل رقص شرقي وعدد واحد روب بمبي مسخسخ وجاكوزي وغرفة نوم وعفشة ميه وسخان أوليمبك 30 لتر. هذه هي محتويات الجهاز بفروعه. الجهاز اللذي أرهب مصر....علي واحده ونص.
واذا نظرت في انجازات هذا الكيان منذ ايام القلم السياسي وحتي جهاز المداس الرئاسي لن تجد فيه الخير ثم ارجع البصر كرتين وتذكر أي شيئ تم ضبطه ضد مصلحة البلد وأمنها فعلاً وليس عن طريق التفجيرات وابتلاع اللفافات، ينقلب اليك البصر خاسئأ وهو حسير. بلايين الجنيهات ابتلعها هذا الكيان الهلامي والحصيله عشرات الآلاف من القتلي والعجزه والمحطمين نفسيا.
لكن مع الاسف الشديد وجود مثل هذا الجهاز كمبدأ ضروري ومرغوب حتي من الشعب اللذي انكوي بناره، تماماً كوجود طفاية الحريق في السياره، قد لا تستخدمها ابداً لكن وجودها ضروري، معظمنا يتفق علي ذلك وهذا ما يحدث الآن، ولكن كيف سنحول الفسيخ لشربات؟ ومياه المجاري لفنجان مغات؟ هل مجرد تغيير الأسم "لجهاز الأمن الوطني" اللي بيقول للشعب انا بقيت بتاعك ومرسوم علي دراعك، هل هذا يكفي؟ أتمني الا يكون هذا التجميل والتظليل كما يفعل وائل في سلسلة اعلانات هيونداي ومحاولاته المستميته لأقناع الآخرين بهيونداي الألماظه لدرجه انه وداها التوكيل!؟ أتمني ألا تكون اعادة الهيكله تعني نقل المجرمين اللذين تشربت أنفسهم بسفك الدماء والتعذيب وامتهان كرامة الآخرين لاداره مختلفه وخلاص. أتمني أن يكون هذا الجهاز موجه لكشف أعداء الوطن المفسدين فيكشف لنا جرائم رجال أعمال مرتشين أو مامور جمرك متربح أو مراقب علي أغذيه قبل تسريب شحنه قاتله للشعب قبل ما يلغ فيها ويصيف في مستشفي 57 3 57، أتمني أن يكشف محاوله للوقيعه بين عنصري الأمه قبل أن تتحول الي نار مستعره، أتمني أن يكشف عضو هيئة تدريس يميز بين الطلاب أو النواب من أجل تفويت الدرجه او النيابه علي من يستحق، اتمني أن يتوصل الي معلومات ينقلها للرئيس أو رئيس الوزراء عن شخص شريف أثبتت التحريات أنه عاشق لتراب الوطن مع توصيه بتعيين هذا الشخص في المنصب اللذي يستحقه، أتمني أن يكشف خيوط توصله لمخطط ارهابي موجه ضد الشعب بس بحق وحقيقي، أتمني أن يكشف عن ميليشيا بلطجيه أو تنظيم عصابي مسلح أو عن مأجور تم القبض عليه قبل القائه اسطوانه نفايات مشعه في محطة تحلية المياه الرئيسيه أو أجنبي يرش فيروس سي في بار السلاطات في بيتزا هات. أتمني أن يكون هذا الجهاز فخر لكل المصريين ويضرب به المثل في العالم كله، أتمني الا يأتي كاتب من بعدي فيكتب مقال للتاريخ ويسرد فيه أن جهاز الأمن الوطني تحول بعد فتره الي سيخ محمي من جديد وتوغل في أمبولة الشعب.....نقول مبروك؟
الآن أنا علي كاونتر الجوازات، سلمت الجواز لضابط الشرطه اللذي استقبلني بابتسامه مع عبارات الترحيب، ناول الجواز لرائد بجواره ليكشف علي جهاز الكمبيوتر (اختفت الغرفه الزجاجيه السوداء التي تجلس فيها موظفه محجبه تكشف علي الجهاز ثم تصرخ وهي تلقي بالجواز من فتحه صغيره لضابط الجوازات وهي تصيح كأنها اكتشفت قاتل جون كينيدي "جواز ضياء") نظر الرائد الجالس علي الكمبيوتر الي وهو يبتسم ابتسامه ذات مغزي فبادرته بقولي:
"لأ اوعي تقوللي خش جوه؟ موش معقوله بعد كل اللي حصل ده هاتعملوا معايا كده تاني"
فرد بذوق وهو يضحك " لا يا دكتور مابقاش زي زمان هما دقيقتين بالظبط وهاتاخد الجواز منهم"
فقلت له "هما مين؟"
فقال وقد زادت ضحكته "ما تقلقش يا دكتور، هما مابقوش زي زمان، بس لازم جوازك يتختم من عندهم"
فأدركت أنه يقصد ضباط "أمن الدوله"
وفعلاً دقيقتين بالتمام والكمال نادي علي نقيب شرطه من الغرفه التي كانت مخصصه لأمن الدوله علي يمين الكاونترات، عرفته علي الفور فلطالما كان في استقبالي مرات عديده، سلمني الجواز وفي عينيه نظرة حقد وأسي كأنه يحمل جبل المقطم فوق رأسه، وناولني الجواز وقال لي "اتفضل"
قلت له "خلاص كده فيه حاجه تاني؟"
قال "لأ، اتفضل" وهو نفسه يفرمني تحت رجله بس الظروف موش مساعداه.
أول مره أدخل مطار القاهره دون استفزاز وبهدله وحجز في الغرفه التي تفوح منها رائحة الشاي المغلي والصنان، أول مره لا أتعرض لابتسامات ضباط امن الدوله الصفراء (يبتسمون بنصف الشفاه العليا مع سحب الخد الأيسر للأعلي قليلاً مع هز الرأس لليسار ثم رفعها لاعلي والنزول بها مرتين تلاته مع اخراج زفير ذو صوت فيه همهمه) ولسان حالهم يقول "شفت احنا جامدين ازاي؟"
خلاصة القول "أمن الدوله موجود بس مكسور ومختبئ، المعلومات موجوده علي السيرفر، مكتبهم كما هو، فقط ينتظرون هدوء الأمور وغفلة الناس ليعودوا من جديد"
ليس لدي مانع أن تجمع بلدي عني المعلومات وتسجل لي ملفات، لكني أعترض علي التمييز ضدي ودهني بلون واتهامي للأبد بأني شخص خطير بسبب آرائي أو معتقداتي، يجب أن يكفل الدستور حرية الاعتقاد والرأي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق