*العنوان مقتبس من عنوان لكتاب للكاتب الراحل أنيس منصور
ثمره من ثمار الثورة ظهرت علي السطح وسمع بها المواطن العادي بل وصار لها أتباع أيضاً " الليبرالية".دعني أقفز مع سعادتك إلي صلب الموضوع مباشرة، حضرتك زبون وليس هناك داعي لمقدمات الكتاب الكئيبة.
لو كان مفهوم حضرتك عن الليبراليين – علي اساس ان حضرتك غير ليبرالي- انهم هايقلعوا الست الوالدة الحجاب أو هايلبسوا البنات البكيني أو أنهم سينشرون الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وصاحبات الرايات الحمر في ربوع قريش، تكون تماماً كغلاة العلمانية ونواعير الإعلام المصري المراهق مهنياً عندما يصف وصول الإسلاميين للحكم أنهم سيمنعون القصير ويأكلون الشعير وسيشربون بول البعير، سواءاً بسواء.
ما دعاني لكتابة هذه التدوينة أني رأيت الشطط وكثرة اللغط فكان لزاماً علي ان اقول كلمة الحق لا سيما وأنني اختلطت ببعض الليبراليين الجدد فوجدت فيهم حباً وعشقاً لهذا البلد ومبادئ إنسانية جميلة وسعياً مخلصاً نحو نفس الهدف اللذي نسعي إليه جميعاً وهو إن مصر تكون أفضل. ليس هذا فحسب بل شاركت معهم في مدوناتهم وصفحاتهم اللتي تكافح لمحاربة الفساد ومساندة الثورة حتي تحقق أهدافها برغم إيماني التام بفكرة المشروع الإسلامي وياله من مشروع لو كان له رجال.
ساندتهم لأني رأيت فيهم وضوح الرؤيا والثبات علي المبدا دون مداهنة أو مواربة. رأيت شباباً فيهم أصالة النيل وعبق القرنفل وقلوباً تعزف دقاتها مواويل الحب لهذه البلد، لا يحملون أجندة إلا أجندة إصلاح البلد والقضاء علي الفساد وعودة الزمن الجميل والحفاظ علي تراثنا الجمالي والذوقي والمعماري والحضاري.
وقبل أن تمتعض من كلامي دعني أوضح لك أن هناك فرق كبير وشاسع بين العلمانيه والليبرالية، العلماني الأصيل يكره الدين فعلاً ويريد تحجيمه واقصاؤه والقضاء عليه ان أمكن، وبما أن العلمانية لا تجد رواجاً في مصر نظراً لطبيعة شعبها المتدين بالفطرة قد يتخفي بعض العلمانين وراء ستار الليبرالية وهذا سبب المشكلة، لهذا لا يجب أن نخلط بين الإثنين.
لذلك أمهلني من فضلك أيضاً لأخبرك أن اليبرالية نفسها قسمين:
القسم الأول وهم الليبراليون الكلاسيك وهم يؤمنون بالليبرالية كما نشأت في بدايتها وهي التحرر من القيود بما فيها الثقافية والسياسية والدينية أيضاً وهدفهم هو المضي قدماً بالمجتمع بغض النظر عن الافراد المحتاجين أو المعوزين أو الفقراء وهي في ذلك تضاد مبادئ الإشتراكية لأنهم يرون أنها وبال علي المجتمع. وهذا الإتجاه يسيطر عليه في مصر اليمين سواء الليبرالي أو الرأس مالي بعد هيمنة رجال الأعمال علي زمام القيادة ومن الليبراليين الكلاسيك د ممدوح حمزة والمستشار هشام البسطويسي ونجيب ساويرس والمخرجة إيناس الدغيدي وعمرو أديب. ويمثلهم الكتلة المصرية، وهذا النوع مفتري ومبدأه إقصاء الآخر خاصة التيار الديني، فإذا إختار الشعب التيار الإسلامي فالشعب جاهل ومغيب ومضحوك عليه ويجب الحجر عليه، وإذا لم ينفع الحجر فلا مانع من الإستعانة بماما أمريكا لإقصائه بل وذبحه إذا لزم الأمر. هذا النوع المفتري هو ما يوغر صدور المؤمنين بالتيار الإسلامي ضد كل ما هو ليبرالي. لهذا يجب أن نفرق جيداً بين هؤلاء وبين القسم الثاني حتي لا نأخذ هذا بذنب ذاك.
القسم الثاني وهو ما أحدثكم عنه هنا وهم ما يسمي بالليبراليين الجدد ويمثلهم تكتل "الثورة مستمرة" وحزب العدل، وهؤلاء هم ا لذين يفهمون الليبرالية علي انها مذهب سياسي واقتصادي معاً ففي السياسة تعني تلك الفلسفة التي تقوم على استقلال الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية.
وبخصوص العلاقة بين الليبرالية والأخلاق، أو الليبرالية والدين، فإن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد طالما أنه لم يخرج عن دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار. أن تكون متفسخاً أخلاقياً، فهذا شأنك، ولكن أن تؤذي بتفسخك الأخلاقي الآخرين، بأن تثمل وتقود السيارة، أو تقبل فتاة في الشارع مثلاً، فذاك لم يعد شأنك بتاتاً. وأن تكون متدينا أو ملحداً فهذا شأنك أيضا. لكن أن تدعوا للإلحاد وتصادم قيم وعقائد المجتمع اللذي تعيش فيه فهذا لم يعد شأنك وحدك. باختصار هذا القسم يراعي القيم المجتمعية والدينية وموروثات المجتمع وعقائده ويضعون في إعتبارهم الطبقات الفقيرة والكادحة ويحترمون الرأي والرأي الآخر وليس لديهم اي مانع من الشراكه مع المتدينيين في بناء المجتمع شرط ان لا يصبح الدين أداة للتسلط والإقصاء والإستحواذ. ومن هذا القسم كما تعلمون جميعاً المصري الجميل المحترم د البرادعي وعمرو حمزاوي ووائل قنديل ومعظم شباب الثورة. هؤلاء ليس لديهم أي مانع من التعاون مع التيار الإسلامي بشرط ضمان وسلامة مبدأ حرية الفرد والرأي. لذلك فافتحوا قلوبكم لهؤلاء وكلامي هنا موجه للتيار الإسلامي وانصاره، من فضلكم لا تأخذوا العاطل في الباطل.
ونصيحتي لليبراليين والإسلاميين؛ لن يستطيع فصيل منكم إقصاء الآخر فلكل أنصاره ولكل برنامجه فحري بنا أن نوحد الجهود وأن نتضافر لمواجهة التحديات اللتي تنتظرنا، فالشعب لن يأكل أيديولوجي ولن يشرب شعارات. والإقتصاد لن يتعافي بالندوات، والمشاكل المتراكمة لن تحل بالتلاسن والمناظرات.
صديقي الليبرالي، أخي الإسلامي وراءكم جبل من الصخر وبلد منهار فالننحت في الصخر لنبني به البلد المنهار لا ليقذف بعضنا بعضاً بالأحجار.