الجمعة، 24 يونيو 2011

لو فاتنا الإيراني.....موش هايرجع تاني



أنا مثلك تماماً، كنت أتخيل إيران عباره عن نصفين، نصف يرتدي الشادور وهم نساؤها ونصف يرتدي البدله السوداء والقميص الأسود والزرار اللي فوق مقفول ويستقبلك بعبارة "ثكلتك أمك" بس بالإيراني.


لكن دعني أصف لك ما رأيت بنفسي، حتي أنقل لك الصوره عن قرب، البدايه من السفارة الإيرانية بدبي، المبني فخيم علي مساحه واسعه ومصمم علي طراز الدولة الصفوية ويتحلي بزخارف متقنه ودقيقه يغلب عليها اللون الأزرق البراق. ومبني السفاره الإيرانيه في جده والرياض نسخه منه. الإجراءات تمت بيسر وسرعه لكنهم لا يتحدثون إلا الفارسيه أو العربية الفصحي، وحصلت علي الفيزا "فيزا جمهوري اسلامي ايراني" أول ملحوظه ان الأسماء كلها تحتوي علي ياء المتكلم أو الجمع، يعني أنا بقدرة قادر سأصبح ضيائي، وسعادتك تامري أو خالدي أو بيضاني وهكذا، وأحياناً صيغة المبني للمجهول مثل معتمري أو معتمدي وهلم جرا.

قبل أن تختار خطوط الطيران تجنب الإيرانيه، الطائرات قديمه وصيانتها وقطع غيارها غير متوفره نظراً للحظر الدولي علي البلد.

                                   مسجد مطار طهران الدولي

قبل ما سيادتك تتحرك علي المطار طرطق ودانك معايا كويس، خد معاك نقود إيراني أو دولارات تكفيك لمصاريفك واحتياطي لأي مفاجأه، واياك ان ترتكب الخطأ اللذي ارتكبته أنا، فقد أخذت مبلغ يسير جداً اعتماداً علي بطاقات إئتماني البلاتينيه والفيزا إليكترون، وعندما وصلت طهران اكتشفت ان جميع بطاقات الإئتمان والفيزا لا تعمل في إيران نظراً للحظر اللذي تضربه عليهم أمريكا، لا يوجد مكائن صرف ولا حتي في المطار، الفنادق المطاعم، البازارات، كلها لا تقبل ولا تعمل فيها كروت الإئتمان مطلقاً، الشيئ الوحيد اللذي تصلح له هذه البطاقات في إيران هو ان سعادتك تمدد علي السرير وتلعب بيها ترنيب، أو تستعين بيها للهرش في ظهرك.


هبطت الطائرة في مطار طهران وذهبت لممر غير الإيرانيين، ولأول مره في حياتي أري طابور أهل بلد أضعاف طابور الأجانب، فإيران شبه منعزله عن العالم أو تم عزلها عن العالم، لذلك قليلاً ما يأتيها الأجانب.

سائق التاكسي لايعرف غير الفارسيه، فكان علي الإتصال بزميلتي الإيرانيه لوصف مكان الفندق له عبر الموبايل، وكل سائقي التاكسي في إيران لا يعرفون الإنجليزيه ولا غيرها، وقبل ما تضم شفايفك وتقول ايه الجهل ده؟ يجب أن تعلم أن التعليم في إيران مستواه عالي جداً وشاق وصعب ودخول الجامعه يحتاج الي اختبار تأهيلي لا يقل صعوبة عن الثانويه، وخريج الجامعه يعمل في نفس مجال تخرجه والإيرانيين، خاصة الأطباء مستواهم عالي جداً وقد لمست بنفسي خلال مناقشاتي العلميه معهم مدي علمهم وخبرتهم، إيران يا ساده لا يوجد بها خريج علوم يقود تاكسي ولا خريج أداب يعمل جارسون ولا خريجة تجاره تعمل سكرتيره في عياده خاصة. لن تجد خريج جامعي يعمل في غير مجاله إلا لو هو صاحب مزاج وغاوي. فلو رايح مشوار إما أن تتصل بإيراني يشرح للسائق عبر الموبايل أو يكتبلك العنوان بالتفصيل بالفارسي، لكن لو ضاعت منك الورقه يا حلو، ستظل في إيران إلي يوم الدين.

كل من قابلتهم استقبلوني بحفاوه بالغه جداً، وسمة الشعب الإيراني هي التواضع والهدوء، ومصر لها مكانة خاصة لديهم فزوجة الشاه السابق هي الأميره فوزيه أخت الملك فاروق. أثناء ذهابي لفرع الشركه في طهران استقبلني سائق التاكسي بابتسامه وضرب علي صدره وقال “I’m good”فابتسمت له وقلت "ربنا يوفقك يا عم الحاج" فقال “ I’m Happy” ثم رفع سي دي وهزها عالياً وهو يبتسم ابتسامه عريضه فظننت أنه مرتضي منصور بتاع إيران، ثم وضع السي دي في المشغل فإذا بها اغنية لتامر حسني، ثم رفع يده عن الدريكسيون وأخذ يرقص ويصفق ويشير إلي إشاره معناها ان اللي بيغني ده من بلدك يعني، فقلت في نفسي "داهيه تسد نفسك انت وهو". وبمناسبة التاكسي أبشركم يا شعبنا العظيم أنني ولأول مره اجد بلداً القيادة فيه نيله زي عندنا بالضبط.

ذهبت للمكتب لإعطاء التدريب للفريق الإيراني وعلشان عيون الساده أعضاء الأمن الوطني التدريب كان عن أمراض نقص الإنزيمات الوراثيه وطرق تشخيصها وعلاجها لا اكثر ولا اقل.

الفريق معظمه بنات واعيين ومركزين ومستواهم عالي جداً، المرأة في إيران نوعين:

النوع الأول: المتدين وهن يرتدين الشادور وهو رداء اسود أو كحلي غامق جداً يسقط من الرأس علي الكتف وباقي الجسم، وهذا النوع من النساء يلتزم بغض البصر والآداب الإسلاميه وهن قليلات جداً في طهران.

النوع الثاني: وآه من هذا النوع، هؤلاء هن المحجبات بالقوه الجبرية، فلا تجرؤ فتاه أو سيدة إيرانيه علي الخروج بدون طرحه أو شال علي رأسها. وهذا النوع متمرد جداً وناقم علي هذا الكبت، فتجدهن في قمة التألق والتأنق بالمكياج القوي وفورمة الشعر المصروف عليها ببذخ والأظافر طويله وشرسه وكلهن بلا استثناء يرسمن عليها اشكالاً مختلفه بألوان مختلفه، ويضعون بارفان قوي ونافذ بشده، وهن يشتركن في عاده غريبه جداً فالمرأة الإيرانيه حين تتلاقي عيناها الفارسيتان الواسعتان الجريئتان المتوحشتان بعيني المأسوف علي شبابه وهو حضرتك فإنها لا ترفعهما أبداً ولا حتي من أجل الرمش، فإذا كنت سعادتك من أرباب غض البصر فحمداً لله علي سلامتك وإن كنت غاوي تشجع اللعبه الحلوه أقول لك مقدماً "الله يرحمك"

هناك تشديد ومنع لظهور الممارسات اللا أخلاقيه في الأماكن العامه لدرجة أن مدير احدي الكافيهات اللتي كنا فيها اتي الينا وطلب منا في أدب أن يجلس الشباب جنب بعض والبنات جنب بعض، وكان هناك زوج وزوجته معنا فقال له ولو مراتك تقعد جنب البنات وانت جنب الشباب، غير مسموح للمرأه الإيرانيه بشرب الشيشه، لكن دول مابيغلبوش يا معلم، فهن يذهبن بصحبة صديق أو أخ، هو يطلب الشيشه وهي تشد معاه وهو يقف ناضورجي، هناك في إيران هيئه للأمر بالمعروف كمثيلتها بالسعوديه، لكن الإيراني خفيفه، خفيفه أوي.
الحاج "تفاظوع"
المكسرات اللي سعادتك بتاكلها مكسرات فشنك، فالصو، المكسرات اللي علي حق تلاقيها هنا عند عمك الحاج علي تفاظوع أو "تواضع" بالعربيه. المحل 12 في 5 متر والمكسرات خارجه من الفرن بتفحفح، الفزدق بيبتسم ابتسامه تشرح القلب واللوز صاحي وبيلعب، والكاجو لا يقل جرأه عن عيون الإيرانيات، الفواكه المجففه تدب فيها الحياه حينما تضعها في فمك فتجد امامك فصول السنة كلها، الحاج تفاظوع أبو الكرم، كل زي ماتحب يا باشا ولا حد هايكلمك، انا أول ما دخلت افتكرت ان المحل أوبن بوفيه أو مائدة رحمن، قرقش وسف وارجع تاني واكبش من القفه ولغ وكل ملبن بالبندق لغاية ماتتلكم لن تجد إلا ابتسامة البائعين تشجعك علي المزيد والمزيد، اختار ما تريد وروح حاسب علي الكاشير واللي كلته بط بط هاتكعه وز وز.

يا ريشك يا شانديز:   

كل الكباب والريش اللي حضرتك كلتهم في حياتك كلها كوم وشيش الشاشليك "الريش يعني" بتاع شانديز كوم تاني.

 الكباب الإيراني ليس مجرد لحمه مشويه وخلاص، الكباب الإيراني لغز محير يجتمع فيه الطعم والغموض والعاطفه سوياً وحتي لا أطيل عليك من فضلك إجلس علي فوتيه واسع وغمض عينيك واسمعني؛ قبل أن تضع الكباب الإيراني في فمك يستقبل أنفك عبق الزعفران العريق فيستسلم فمك ويحتضن القطعة في شغف فتمشي علي اللسان بخيلاء كنجمات مهرجان كان علي البساط الاحمر فيوصلها للأسنان اللتي لا تجد - من فرط حلاوة الطعم- الشجاعه الكافيه لمضغها فتحيلها للإستئناف اللذي يفرج عنها بكفالة الي اللسان فتتبختر عليه مرات ومرات إلي أن تثبت عليها جريمة الحلاوه والطعامه فتنفذ فيها الاسنان حكم الإعدام مضغاً ولكن تبقي ذكراها حية في القلوب والعقول وتشعر بطعم ورائحة الزعفران في كل جسدك فتقيم لها نصباً تذكارياً يخلدها مع الزمن.

التحف الإيراني:

الفنان الإيراني لديه صبر وجلد عجيب، لقد وقفت مبهوراً أمام النقوش الدقيقه ذات الألوان القويه الصامده والنقوش العميقه المتشابكه، الفازات والأطباق تخلب العقول، علب المناديل الخشبيه المطعمه بالأصداف وعظام الجمال المصنوعه يدوياً بأشكال سداسيه معينه غاية في الدقه ومتناهية في الصغر لدرجه أن الفنان اللذي صنعها يصعب عليك فعلاً، انا متأكد أنه يتعذب وكل قطعه يصنعها هي هولوكوست نفسي وبدني بما لايدع مجالاً للشك، لكن عندما تختار قطعه وتذهب للسؤال عن ثمنها سيزول تعاطفك مع هذا الفنان فهو واخد حقه تالت ومتلت فاقل فازه ثمنها 200 دولار فيما فوق.

السجاد الإيراني:

ده بقي ، لا أنا ولا عشره زيي يعرفوا يوصفوه، السجاد يدوي، مصنوع من الحرير والسجاده بمثابة انتحار لصاحبها، فالغرز دقيقه جداً وسعر السجاده يرتفع جداً مع ارتفاع عدد الغرز في السنتي المربع، النقوش مبهجه وصادمه من روعتها ولازم تفتح بقك وانت بتتفرج عليها ولن تستطيع رفع عينك من عليها فالنقوش بمثابة مغناطيس غلس وقوي والفكاك منه مهمه شبه مستحيله الا اذا بدأ زميلك الإيراني المرافق يتمتم بالفارسي وهو غضبان عندها تضطر لترك السجاده والم الفراق يمزق قلبك، وقبل ماتقول هاشتري امسك أعصابك واسمع السعر، اقل سجاده يا محترم لا تقل عن 3000 دولار، أيوه مافيش غلطه الرقم صحيح السجاده المتر ونص بتاعة الحائط بثلاثة آلاف دولار، فإذا كان مكتوب علي التيكيت أنها صنعت في مدينة "قم" فالسعر يتضاعف يا حبة عيني، ولو كانت مستعمله فالسعر يتضاعف أيضاً والسجاد المستعمل لما تشوفه لازم تريل، ايوه هاتريل من كتر الدهشه. يمضي النساج في صنع السجاده المتقنه حوالي 18 شهر وقد يتناوب عاملين أو أكثر في صنع سجاده واحده، ونهاية هؤلاء النساجون هي ضعف البصر أو فقدانه، من أجل الاغنياء ومحبي الترف واقتناء التحف.

الغلب الإيراني:

كل هذا الجمال يحيرك إذا أمعنت النظر في وجوه الإيرانين، فوجوههم يخيم عليها الحزن وإذا واتت أحدهم الشجاعه وتحدث ستعرف السر، الشعب الإيراني يرزح تحت نير الكبت والقهر الشديد، الإيراني مايقدرش يفتح بقه أو يتكلم في السياسه أو يعارض، وكل من واتته الشجاعه وحدثني اخبرني أنهم يعانون من الديكتاتورية المطلقه والكبت الرهيب بل ويشكون بقوه أن الإنتخابات قد تم تزويرها أيضاً، والمرأه الإيرانيه ناقمه علي هذه الأوضاع جداً وساخطه وتتحدث بغضب، الشباب أقل شجاعه وبيغيروا الموضوع إذا تحدثت معهم عن هذا الأمر. الحق يقال هم يكرهون الحكومه لكن يعشقون إيران ويختالون ويفتخرون بشده بالنزعه الفارسيه.


                        مدخل قصر الشاه (ممنوع التصوير من الداخل بتاتاً)
            
علي جميع المداخل والكباري في طهران تلمح عبارة بخط كبير " السلام عليك يا روح الله" أنا كنت فاكر قصدهم سيدنا علي، لكن سألت زميلي الإيراني فقال انه الإمام الخميني.
                                     جانب من حديقة القصر            

وقد واتتني الفرصه وزرت قصر الشاه محمد رضا بهلوي، القصر يقع علي هضبه واسعه والاشجار المئويه تحيط به علي مساحه لا تقل عن 100 فدان، السجاد والتحف والزخارف داخل القصر لا تقدر بثمن وللأسف ممنوع التصوير بتاتاً فلم أستطع التقاط صوره واحده، الا علي باب القصر فقط من الخارج، واتصورت علي الكاريته الملكيه بالزي الفارسي والفريق الإيراني ظبطني صح الصح بصراحه، ورأيت مجموعة السيارات المرسيدس والرولز رويس الملكيه ولفت نظري وضع اسم الرئيس الراحل السادات بخط بارز كواحد من كبار الزوار اللذين نزلوا ضيوفاً علي هذا القصر.


                                          سيارة الشاه الرولز


الوضع يختلف تماماً في منزل الخميني، فهو منزل بسيط تغلب عليه الديكورات الإسلاميه، وفراش حجرة نومه بسيط جداً ونظارته وبقايا ملابسه بسيطه للغايه، وهم يعطون لهذا المكان قدسيه عاليه جداً، الدخول لقصر الشاه يكفيك وضع الخف علي الحذاء، لكن في منزل الخميني، يجب خلع حذاءك وليس لك الخيار.

                                   شعار الإمبراطورية الفارسيه

الحصار الاقتصادي والحظر والعقوبات جعل الإيرانيين يكتفون ذاتياً وصناعياً، فكل ماحولك صنع في إيران الأجهزه والمكيفات والمأكولات، لا يوجد في إيران سياره واحده أمريكية الصنع، أو محل وجبات سريعه أمريكي، لا كنتاكي ولا ماك ولا بيرجر كينج، لذلك صحة الإيرانيين زي البمب.


الإيرانيون يحترمون المصريين جداً ولن تخطأ عينك ذلك أبداً، ينظرون إلينا بفخر واعتزاز ولما سألت زميلي عن السبب، أخبرني أننا الوحيدون اللذين تصدوا للصهاينه وهزموهم في 73 وأننا أصحاب حضاره مثلهم تماماً.

                    الحرص علي اللمسة الجماليه في المطعم الملحق بقصر الشاه
 أخبرني زميلي السوري المرافق لي أن نحذر من الإيرانيين، فقد توغلوا في سوريا بشده وحذرني أنهم اذا فتح لهم الباب فانهم يشترون الأراضي المتجاوره ويشكلون شبه مستعمرات اقتصاديه وسكنيه ثم توغلوا في سياسة سوريا، لذلك رأيي أن نقترب منهم بحذر ونحدد حدود العلاقة سلفاً وأن نحافظ علي أراضينا ولا نفرط فيها بالبيع لا لإيراني ولا لغيره، فيجب أن تظل أرضنا ملكاً لشعبنا ونحميها من السرقة والنهب.


الشعب الإيراني شيء وحكومة الملالي وآيات الله شيء آخر، الشيعه المتشددين اللذين يستخدمون التقيه شيء والشيعه الهلاهوطه اللذين يشبهون المسلمين الفريش الهلاهوطه مافيش في دماغهم عداوه ولا يحزنون، انها نفس الحاله الأمريكيه، حكومه يسوقها ويوجهها اللوبي الصهيوني وشعب لا يدري أبعاد ممارسات حكومته وسياستها الخارجيه.


يجب أن نتعلم الدهاء السياسي في علاقتنا بالدول ذات الثقل، ومثلث إيران وتركيا ممكن ان يشكل ميزان توازن قوي لا يستهان به، ولكن يجب أن نكون مستعدين سياسياً وأمنياً ومخابراتياً لهذه العلاقه الشائكه، لكن لابد من بدأ التحرك نحوها قبل فوات الأوان، لأن لو فاتنا الإيراني...... موش هايرجع تاني.






                  المحافظه علي تراث النمارق الفارسي سمه أساسيه في إيران

                            حتي في المولات، التراث الفارسي موجود 













      ال25 ألف ريال إيراني دول يادوب يشترولك واحد بيبسي دايت



الجمعة، 3 يونيو 2011

أستاذتي العزيزه شكراً

ياتري حضرتك اتهزأت قبل كده؟ طب هل جربت الشعور بالسعادة وانت بتتهزأ؟ لو جربت هاتفهمني واذا لم تجرب فمن فضلك اسمعني.

القدوه والأستاذيه اختفت من حياتنا أو كادت، القدوه والأستاذيه هي علاقة قوية بين التلميذ والأستاذ تمتد لأبعد من حدود العلم فتشمل البناء الإنساني وعاديات الحياه وفكرك وأهدافك وكيانك أيضاً.


عاد شريان الذكريات بالنبض حينما قابلت أستاذتي العظيمه بعد طول غياب منذ تركي لوحدة الحساسيه والمناعه وتغيير مسار حياتي الي عالم البيزنس وأضفتها علي الفيس بوك وأرسلت لها رابط المدونه، وما هي إلا أيام حتي تلقيت منها رسالة ثناء ثم تنبيه أن مقدمة المدونه الإنجليزيه بها غلطة في الجرامر وغلطة هجائيه. كما عودتني دائماً تَعاملت مع المدونه كرسالة ماجستير أو دكتوراه ورأت مالم يره 4800 زائر للصفحه ونبهتني في رساله علي الخاص. درس جميل في معني الإتقان حتي لو كنت باهرتل علي بلوج.

عدت بالذاكره إلي الوراء بداية المشهد أمام مركز السموم في أول طلعه لي في ريكويست مع عيانه غلبانه بنتها الطفله بلعت نص شريط بروفين، تركت العيانه في المعمل ونبهت عليها تنتظرني وقلت أعمل سبع البراري وأخلص ريكويست تاني في الباطنه، المهم رجعت قسم السموم وجدت المريضه وأمها اللتي كانت تعمل بوابه أخدت نتيجة التحليل وخلعت، وبالتفت ألاقي الأستاذه أمامي وجهاً لوجه وهي تسألني بنظره مغناطيسيه ثاقبه: فين العيانه؟ قلت لها يظهر مشيت!
وعينك ماتشوف الا النور يا مؤمن، سحبتني وراها من قسم السموم لمستشفي الأطفال مع فاصل من التهزيء بقوة 8.7 بمقياس ريختر، وأكتر حاجه وجعتني أنها توقفت أمام كلية طب الأسنان وأعطتني جرعه مركزه من التهزيء أمام ماسورة المزز اللتي كانت تطفح من الكليه وكل اللي رايح واللي جاي في الشارع كان يستمتع بالمشهد لدرجة أني كنت أستمع لصوت قرقشة البوب كورن وتكريع الكولا من حولي، في هذه اللحظه علمت ان الغلبان في هذه الوحده له قيمه وقيمه كبيره جداً لا يستهان بها، تعلمت يعني ايه أحن علي الغلبان وأحترمه واشيله جوا عينيا. وعندما سألها زميلي السينيور أخبار النايب الزاير الجديد ايه؟ أجابته ماتقلقش عليه، أنا دشنته النهارده وهايبقي زي الألف.

تعلمت يعني ايه انك تظبط بني آدم دون أن تهينه، تهزه، أيوه دي موش غلطه املائيه "تهزه" علشان يفوق ويبقي راجل، بعد هذا الفاصل بدقائق تجدها مبتسمه ابتسامه بريئه وتعاملك بمنتهي اللطف الي أن تخطيء الخطأ التالي فعليك بالليفه لأن الدش هايفتح عليك يا معلم.

حتي يوم فرحي حدث موقف ضايقني شويه، اتفقت مع حمايا العزيز ان مافيش رقاصه في الفرح، فاستبدل الراقصه بفرقة سيد الشاعر الشعبيه اللذي أراد أن يوجب مع حمايا واجب السنين فأتي بثمان راقصات دفعة واحده وناولوني العكاز حتي أريهم مهاراتي في التحطيب، فوجدت الأستاذه تترك طاولتها وتاتي إلي بسرعه وحزم قائلة "إبتسم وفكها شويه لحسن أديك علي وشك، هما الرقاصات جم وخلاص واللي حصل حصل"

المشهد الثاني: التفاني حتي الفناء
كنت والاستاذه في مشوار بالسياره وتحدثت هي عن فرح حضرته لأحد الأصدقاء وغني فيه مطرب لبناني "نصف مشهور علي حد قولها، الكلام ده كان سنة 1996 ودار الحوار كالتالي:

قصد حضرتك عاصي الحلاني؟

لأ، موش ده، ده واحد تاني

يمكن وائل جسار؟

لا برضه موش ده

يمكن علاء زلزلي؟

لأ برضه موش ده

وفجأه ونحن علي كوبري 6 أكتوبر، لاحت لنا يافطه إعلانيه ضخمه 20 x10 متر فاشارت إليها صائحة "ايوه هو ده"

يا خبر ابيض، ده راغب علامه يا أستاذه؟

أيوه هو علامه ده اللي غني في الفرح

عندها تعلمت ماذا تعني كلمة التفاني في العمل، انها تستهلك كل حياتك حتي تصبح كل الاشياء حولك هامشيه!

رحلة الفيزا:
من المواقف الكوميديه أني صحبت الأستاذه لفرع البنك الاهلي الرئيسي علي الكورنيش وبعد قضاء المصلحه عملت فيها حوت طرق وفكرت "أخرم" من ورا مبني التليفيزيون لتجنب زحمة الكورنيش وكوبري أكتوبر، المهم تهت في رملة بولاق ودخلنا في حتت غريبه موت وبدأت الأستاذه تقلق وبدت كسائحه سويديه تشاهد الغابات المفتوحه في كينيا، وسألتني ايه المناطق دي؟ مافيش لاند مارك هنا؟ شوف كده علامه نعرف بيها احنا فين بالظبط؟

نظرت عن يميني فوجدت يافطه مكتوب عليها " كبابجي الصلاه عالنبي" فنظرت عن يساري فوجدت يافطه اخري مكتوب عليها " آيام ألون " يعني " أنا لوحدي" للإستيراد والتصدير وبدأ يظهر لنا تجار الصنف ، سياره شيك راكب فيها أفندي حليوه ومودمازيل شيك وبنت ناس، اكيد جايين يذكروا من عند حماده هيد. قفلت السنتر وخدت في وشي الي أن وجدت يافطة شارع السبتيه فتنفست الصعداء. المهم في وسط الطحن ده قالت لي الاستاذه: إوعي تكون بتجيب خطيبتك الأماكن دي وتعزمها عند كبابجي " الصلاه عالنبي" ده؟

أبداً وانا أعرف المناطق دي منين يا أستاذه؟

أمال انت مشيت بينا فيها إزاي؟

غصب عني، انا كنت تايه

ايه ده؟ وكل ده أنا فاكراك عارف انت بتعمل ايه؟ يعني احنا كنا تايهين؟ طيب لما نوصل الوحده أنا هاعرفك شغلك. تاني يوم لم يكن هناك حديث للقسم إلا عن كبابجي " الصلاه عالنبي" وشركة "آيام ألون" للإستيراد والتصدير.

الدقه المتناهيه:
في كل شيء من أول نوع الدوسيهات الخاصه بالمرضي ومواصفاتها وسعرها مروراً بإنشاء معمل خاص لسرعة الترسيب اللتي يعتمد عليها قرار العلاج لمرضي المناعه وقد تم انشاء هذا المعمل ليقوم النواب بأنفسهم بسحب العينه وحساب النتيجه لضمان الدقة التامه وتجنب أخطاء معامل الباطنه.

حتي أثناء حفلات القسم والترتيب لها، الكبيبه من عش الفروج وتورتة البافارواز من لو شانتييه والساليزون من لارين والجاتوه السواريه من سمن وعسل وعلي ميليشيات النواب أن تتحرك في توقيت متناغم نحو سانت فاتيما والكوربه وعباس العقاد وشارع الثوره ثم العودة سالمين الي قواعدهم بالدمرداش في توقيت واحد والحاجه سليمه وطازه.

أثق فيك آه ... تستغفلني لأ
علي الرغم انها نشأت منذ نعومة أظفارها في بيت عز، ودرست في مدارس أجنبيه وعاشت فتره من حياتها بره مصر، إلا أنها مصريه حتي النخاع وتفهمها وهي طايره.

الأستاذه بتشيك يومياً علي مواعيد وصول كل فرد لموقعه، وتواجده، والمعلومه بتتدحرج لغاية عندها، تستطيع اكتشاف الصادق من الكاذب من الأونطجي من اللي مزود في سعر الحاجه من اللي بيحاول يسرق مجهود زميله، ولما تسألك سؤال أحسنلك تقول الصراحه ولا شيئ غير الصراحه لأن عواقب الكذب عندها أشد مليون مره من اعترافك بالصراحه حتي لو عامل مصيبه.

استعدال الجنوط:
الأستاذه كانت تعشق استعدال الجنوط ، عندما تأكدت أنني علي الصراط المستقيم فيما يتعلق بالشغل انتقلت الي استعدال العيوب الشخصيه بل وفلتات اللسان علشان أمشي علي العجين مالخبطوش. مستشفي الأطفال 70% من نوابها بنات، الشغل مع البنات مريح إلا فيما يتعلق بشكوي كل واحدة منهن من زميلاتها ولك أن تتخيل كم الشكاوي اللتي كان يتلقاها سويتش نافوخي يومياً، فتوصلت لأسلوب الهجمه المرتده وهو أن أبادر الزميله من دول وقبل أن تبدأ فاصل الشكوي وقبل حتي صباح الخير فأقول " ايه الشياكه دي؟" فيتحول مجري الحديث بنجاح الي الشوبينج فاحافظ علي الربع الباقي في يافوخي واهو قضي أخف من قضي.

وفي ذات الأيام كان النواب الاساسين في امتحانات وضغط الشغل شديد ووجدت الأستاذه قادمه نحوي وحتي أتجنب اللوم علي تراكم دوسيهات المرضي في العياده أردت استخدام نفس الاسلوب وكانت فعلاً ترتدي بلوزه كحلي في منتهي الشياكه فقلت لها "البلوزه دي في منتهي الشياكه يا أستاذه" فوجدت شعاع ليزر يخرج من عينيها وقالت لي "تعالي ورايا" وابتعدت بي عن الزحام ودخلت غرفه فارغه وقالت لي بحزم " إوعي تقول كده لأي فيميل تاني، أنا عارفه طبعاً انك بتجاملني علشان تلفت انتباهي عن الهرجله اللي في العياده، بس البنات يبانو قدامك انهم متماسكين انما كلمتين زي دول ممكن يبرجلوا البنت علشان كده الرسول صلي الله عليه وسلم قال رفقاً بالقوارير، يالا علي شغلك، والعياده تتظبط يا خويا يا مظبطاطي"

وتعلمت الدرس، صحيح أنني دفعت الثمن غالي فقد أصبحت أنا المسلكاتي في أي سوء تفاهم بين أي زميلتين في غياب هجماتي المرتده، لكن معلهش، كلهن أخواتي وصديقاتي حتي لو دماغي بقت زي البقليله.

مرضي المناعه، كنز لا يفني
مريض المناعه في الوحده يحمل جواز سفر دبلوماسي ويدخل من قاعة كبار الزوار ويلقي معاملة خاصة من الجميع، هناك حرص شديد علي الحفاظ علي الحاله النفسيه لهؤلاء المرضي لأن لها دور كبير جداً في استقرار حالتهم، دفعني هذا الجو إلي اكتساب صداقة هؤلاء المرضي المساكين وهذا النوع من التواصل مع المريض يرتقي بمشاعرك وشخصيتك كإنسان، كانت الأستاذه ترتب لهم رحلات ترفيهيه إلي حديقة الحيوان أو المتاحف أو السينما وفي يوم اتفقنا مع المخرج عصام إمام لحضور عرض مسرحية "هلاهوطه وبراكوته" لحوالي 20 طفل من مرضي عيادة المناعه كان كريماً معنا جداً فقد دفعنا مبلغ رمزي للجلوس في الصفوف الخلفية فأعطي توصية بجلوس الأطفال في لونج الفي آي بي واستقبلهم الفنان وائل نور بحفاوه بالغه أثرت في نفسي بشده. بالنسبة لي استفدت من هذه الرحله بتظبيط الطبيبة المزه المسؤوله عنها فأصبحت بعد ذلك خطيبتي، ثم زوجتي وكانت أيضاً من ترشيح الأستاذه، لن أنسي أنه عندما بدأت أعجب بهذه الطبيبه مجرد إعجاب مبدئي بيني وبين نفسي لم أصرح به لأحد، فوجئت بالأستاذه أثناء المؤتمر السنوي لطب الأطفال بجراند حياة، تقول لي وبدون مقدمات " إتكل علي الله واوعي تطير البنت دي من ايديك، لو طيرتها من ايدك، لا انت ابني ولا أعرفك". عرفت ازاي؟ الله أعلم

موقعة جزيرة البط
كان من طقوس الوحده الجميله تنظيم رحلات أو عشاء مجمع لأعضاء الوحده ويتم تمويلها من اشتراكات الاساتذه والنواب، فلا مكان لشركات الأدوية وكان هذا واحداً من أجمل أدبيات وحدة الحساسيه والمناعه للحفاظ علي استقلالية ونزاهة الطبيب.

ذهبنا ذات مره للفيوم مع شركه سياحيه فاخره وكان في البرنامج أن نتناول الغداء في الاوبرج، ولسبب ما قام مندوب شركة السياحه بتغيير البرنامج لتناول الغداء فيما يسمي ب "جزيرة البط" جلس الأساتذه علي طاوله كبيره وجلس النواب علي طاوله أخري وقام الجرسونات طبعاً كعادة المصريين في العصور البائده بالتخديم علي طاولة الأساتذه ووضع السلطات ثم الأسماك وطاولة النواب بيضاء جرداء لا سلطة فيها ولا ماء، فسمعنا صوت الأستاذ الدكتور يحي الجمل رئيس الوحده يصيح في الجرسونات " جري ايه يابني؟ هو انت فاكر ان لما تعملوا كده احنا هاننبسط؟ النواب ينزلهم قبلنا" وهنا قامت الأستاذه وانفجر بركان فيزوف واحنا كمان الحركه حرقتنا واكتشفنا أن الأطباق عليها تراب وأدوات المائده غير نظيفه، فقام الاستاذ الدكتور (ح. و) وكان طويل وابيضاني بتقمص دور لواء في الداخليه وصاح "فين مدير المحل؟ أنا هاخرب بيتكم، أنا هاقلب الداخليه وهاجيبلكم وزارة الصحه" وقمنا علي الفور أنا والطبيب (ع. م) بتقمص دور ضباط شرطه وسرنا خلفه للتفتيش علي المطعم. لكن الأستاذه لم تقبل الحل الوسط أو اعتذار المتر، وتوجهت للجاني الحقيقي، مندوب السياحه اللذي أتي بنا هنا علي غير المتفق عليه كي يأخذ العموله من جزيرة البط ويضرب الفرق في جيبه. وقالت له في حزم "احنا اتفقنا علي الأوبرج، يبقي نتغدي في الأوبرج" قال المندوب "بس الغدا هايتأخر عليكم يا فندم " قالت الأستاذه بنفس الحزم "اياكش نتغدي الساعه عشره بس ماتقرطسناش" وذهبنا للأوبرج وفعلاً الغدا تأخر لكننا قضينا وقتاً ممتعاً وفاصل من الضحك علي تفاصيل معركة "جزيرة البط". الأساتذه داخل الوحده لهم احترام مهيب، لكنني تعلمت في هذا اليوم كيف يكون تواضع الأستاذ وكيف يكون لكل مقام مقال.

هناك الكثير والكثير من المواقف والدروس اللتي أفتقدها الآن بشده، استاذتي العزيزه، أفتقد التهزيء اللذي يعيد تشكيل صفات الرجوله وحب العمل، أفتقد نظراتك الحاده الخارقه للدروع اللتي تحرك الحماس وتعيد ترتيب الأولويات، افتقد نصائحك وأرائك اللتي لا تجامل ولا تحابي، افتقد ابتسامتك الصافيه البريئه واللتي تظهر مع أول خطوه تخطيها خارج بوابة مستشفي الأطفال. أستاذتي العزيزه لا زالت تبناني إلي الآن رغم انقطاع صلتي التام بالطب وبالوحده، ، أستاذتي العزيزه، أنا أعيش بنفس روح وحدة الحساسيه والمناعه في مجال عملي الآن وأتحلي بقيم موقعة جزيرة البط، أستاذتي العزيزه شكراً علي كل شيء.