الأربعاء، 23 يناير 2013

فخامة السيد الرغيف


فخامة السيد الرغيف، تحية طيبة وبعد،

أنقل إليك تحيات الشعب المصري العطرة فقد كنت دوماً لدينا رمز النعمة والستر. وعاش الكل يضعك هدفاً هاماً ورئيساً في حياته وصار الحافز لدي كل فرد من أفراد الشعب هو العمل من أجل "لقمة العيش". وصرت اختباراً لبيان معدن الشخص وكل شعبنا يوقن أنه لا يخون "العيش" والملح إلا ابن الحرام.

عزيزي فخامة الرغيف، نالك ما نالنا جميعاً في عصور القهر والضياع من هوان الشأن وضياع الهيبة، لا أزال أذكر فخامتك وأنت في تمام البدر يعلوك ثوب قشيب من الرده الخالصة وتقف في عنفوان علي قفص الخيزران مزداناً بنمش جميل ورائع كبشرة مذيعة شابة في ال إل بي سي. لا زلت أذكر تحفزك ورقتك في ذات الوقت حين أنقرك نقرة سريعة خشية ما بداخلك من لهب الكرامة وفورة الخميرة فتفوح ببخار طازج يسلب العقول ويعزف منفرداً علي جدار المعدة لحن الخلود وأنشودة النشوة فيسيل لعاب الحليم ويتحرك لسان الوقور طرباً ولهفة لهذه التجربة الفريدة اللتي طالما أفرد الله بها أهل مصر دون سائر الأمصار.

كنا في حبك نسيجاً واحداً لا فرق بين غني وفقير وصغير وكبير حتي فرقتنا النوائب وضاعت شخصيتك المميزة وأهدرت كرامتك.

ومع ارتفاع سعر القمح والتضخم جاءك الدعم لتصل لأفواه الفقراء لتسد جوعهم وتعفيهم من ذل السؤال وقرصة الجوع فيالهول ما أصابك بعدها.

كان يعتصرني الألم حين أراك هزيلاً ضعيفاً قد أصابك السل وسوء التغذية فالتصقت بطنك بصدرك ولم يعد من قبتك الجميلة البارزة ذات الفن المعماري المحير إلا فقاعة صغيرة يعلوها حرق أو خرق في استهزاء واضح وإهانة متعمدة لشخصكم الكريم.

كان يصيبني الذهول حين أراك مهاناً فيلقيك التجار أمام الفراخ البيضاء غذاءاً وأحياناً الماشية بعد خلطك بالماء والعلف لأن ثمنك أصبح زهيداً بعد أن دعمتك الدولة حتي لا يحرم منك المواطن الغلبان!

راح الأمن والأمان منك بعد أن كنت مصدره وأصله فأصبحت أخشي منك وأنت تحمل في باطنك المسامير وأعقاب السبارس والرمل وحبات الظلط.

أصبحت مهاناً علي كل الموائد، يجلس الزبون في محل الكباب فيوضع أمامه ستة أو سبعة من فخامتكم مع أن أقصي طاقته هو اثنين أو ثلاثة من شخصكم الكريم، والباقي مصيره معروف.

أصبح من المألوف أن يلقي ما تبقي منك علي موائدنا مع بواقي الطعام والعظم ولم لا والعشرة من سعادتكم بنصف جنيه!

حاول الكثيرون انتحال شخصيتك ما بين محسن ومميز وطباقي وتعاوني وآلي، ولكن هيهات لهذه المسوخ أن تقترب حتي من قدر فخامتكم، فهي البيضاء الباهتة الرقيقة كورقة البفرة الخالية من النخالة، هذه المسوخ التي تزيد من معدل الإصابة بالسكري ومن ثم الضغط ووجع القلب بعيد عن سموك.

واليوم في محاولة لاستعادة هيبتك يتم تحديد حصة المواطن منك عن طريق البطاقة الذكية. وما بين مهاجم ومبرر ضاع الهدف والحل، كنت أتمني أن تبذل الجهود لإعادة هيبتك وهيئتك ورونقك مجدك الذي ميزك بين بلدان المنطقة للحد الذي كان يدفع البعض بحمل عينات منك إلي بلاده ليعلم أهله ما هو "العيش البلدي المصري".

إن الغني الذي يحصل علي راتب بالآلاف وصاحب الوظيفة المرموقة الذي ينافس أفواه الفقراء في الوصول إليك يرتكب جريمة، وأصحاب المخابز والمزارع الذين يحرمون ملايين المعوزين منك يرتكبون جريمة، وكل من يساهم في طمس هويتك وحرمان من يحتاجك منك يرتكب جريمة.

أزمتك يا عزيزي أزمة ضمير، أزمة ضمير مات لدينا ولدي كل من تمر عليه في دورة حياتك من القمحة إلي اللفحة. لقد مات الضمير لدي الكثير منا ولن تعود ألوان حياتنا لرونقها إلا حين يعود الضمير والإخلاص لشعب مصر الذي تم تغييبه وتهميشه لعقود.

أتمني أن تعود إليك شخصيتك فيستمتع بك المحتاج بخمسة قروش لا ينازعه فيك أحد ويستمتع بك الميسور بخمسين يدفعها راضياً مقابل تشريف فخامتكم لمائدته.

إلي أن نلتقي لك من المصريين ألف تحية وسلام.

ويبقي حلمنا بثلاثتكم معاً:

عيش – حرية – عدالة اجتماعية