السبت، 16 يونيو 2012

*أبو عزة

* تم تغيير الاسم الاصلي لأن صاحبه شخصية حقيقية.





أبو عزة من أغرب الشخصيات التي عرفتها منذ طفولتي، لا زلت أذكر أبو عزة حين كنت طفلاً في المرحلة الابتدائية، في هذه الفترة  كنا نعيش في بيت العائلة الكبير مع جدي وجميع خالاتي وخلاني في منطقة شعبية حيث جميع البيوت مفتوحة بالحب والأمان والجميع يتعايشون في تضامن وقرب وكنا نلهو في بيوت الجيران ليوم كامل في أمان تام.

لا زلت أذكر أبو عزة وحيويته وحماسه ونحن نشاهد مباريات الكرة المجمعة الحساسة لفريقنا القومي في بطولات أفريقيا أو منافسات كأس العالم خاصة مباريات الأرجنتين والبرازيل.

ما ان تبدأ المباراة حتي يبدأ ابو عزة في التحليل والتوقعات ووضع الخطط الدفاعية والهجومية للفرقتين علي حد السواء، وكطفل متحمس كنت أستمع الي تحليل أبو عزة بإنصات تام.

كان أبو عزة زمالكاوي الانتماء وفي جميع المباريات كان يتحدث بمنتهي الثقة والقوة وينتقد بكل عنف. لا يوجد أحد فوق النقد بالنسبة لأبو عزة، بما فيهم فطاحل الكرة الكبار مثل زيكو وسقراطيس وباسيريلا وفالكاو.

كنت اشاهده وهو يشير بإصبعه وصوته يجلجل في صالة جدي رحمة الله عليه "شفت الحمار" مشيراً إلي لويزينهو وهو يجلي في منطقة ال 18. ثم يبدأ في شرح ما كان يجب علي لويزينهو أن يفعله بالتفصيل بطريقة تخلب ألباب المشاهدين، لدرجة أنهم كانوا لا ينتبهون لتعليق الكابتن لطيف أو كابتن زيور وينظرون إلي تعليق أبو عزة بانتباه ونهم.

ظل أبو عزة بالنسبة لي قيمة وهامة كبري، وكنت لا أستمتع مطلقاً بأي مباراة مصيرية دون أبو عزة في الخلفية وهو يصيح وينتقد ويحلل ويسب ويلعن.

ظل أبو عزة بالنسبة لي ولنا جميعاً كذلك حتي جاء يوم نظم فيه اهل الحي رحلة مجمعة لفايد، وهناك قام المشرفين بعمل تقسيمة لمباراة في كرة القدم، عندها وقفت بكل شغف لأري أبو عزة علي أرض الواقع ورفعت سقف توقعاتي عالياً وأنا أتخيله يطير عالياً ضارباً شقلباظ ويلعب دوبل كيك فيمزق شباك الخصم.

وبدأت المباراة وانتظرت لاري ذلك الوحش الكاسر الذي طالما قرع باللوم والعتاب أعتي محترفي العالم، لكنني للأسف سقطت من علياء أحلامي علي واقع مرير، فأبو عزة يحمل كرشاً طوله 60 سم ويتدلي بعمق 40 سم وبارتفاع 35 سم. كان ابو عزة يتحرك بصعوبة بالغة وبدأت اسمع صوت أنفاسه المتسارعة بل وضربات قلبه كالطبل البلدي، ثم بدأت اسمع صوت التزييق ينطلق من صدره كعفشة السيارة السيات.

وما أن تأتيه الكره الا ويقلش بشكل عجيب مثيراً للشفقة والغيظ معاً ثم بدأت اسمع الأصوات تسبه بحرقه "يا حمار !!!"

كانت صدمتي رهيبة وأنا أري أبو عزة بهذا التردي، وعدنا من جديد وفي أول لقاء كروي جلسنا جميعاً كالعادة وما ان بدا أبو عزة في التعليق حتي وجدتني أنظر اليه بطريقة مختلفة، فأنا أراه يقوم بتشريح أي لاعب بلا هوادة مهما بلغ مستواه ولا أحد عنده فوق النقد، لكن لو تجرأ احد وعلق تعليق ولو صغير علي الزمالك أو حسن شحاته، كان يقفز في كرشه ويهبشه بلا رحمة، فسقط من ناظري وانا اراه بهذا القدر من التعصب وعدم الحيادية.

وبدأت ألاحظ أشياء لم اكن ألاحظها من قبل، فأبو عزة يعيش في شخصية "أبو العريف " بكل كيانه فاكتشفت انه لا يعلق علي الكرة فقط، بل علي أي شيء يفعله اهل الحارة الكرام، ويدلي بدلوه حتي في الدين والسياسة والجنس والاقتصاد.

كان ابو عزة يقوم بتكسير مجاديف الناس إذا اقدموا علي أي عمل جماعي، كتنظيف الحارة أو تركيب موتور رافع للمياة أو شيء من هذا القبيل فيقوم بالتحذير والتبشير بفشل العمل كله ويتوعدهم بالخيبة الثقيلة، وكم كنت أراه يستمتع اذا صدق حدسه وهو يقرع أهل الحارة ويلومهم بقوله " مش قلتلكم؟" " مش كنتوا تسمعوا كلامي؟ " " ياما حذرتكم!!" كنت اراه يتمني الفشل لأي انسان ولأي مشروع ليصول ويجول ويشمت ويقرع ويلوم الآخرين مستغلاً احباطهم من الفشل. كنت اراه يتشفي في الناس بشكل غريب !.

كنت طول الوقت اراه يجلس علي الكرسي الخشبي يرمق القادم والذاهب بنظرات التفتيش والنقد ولم يكن أحداً ليفلت من لسان ابو عزة، لدرجة انه كان ينتهز فرصة فشل أو إخفاق أي انسان ليذهي اليه وهو في قمة الضعف ويظل يقرع فيه ويعدد من محاسن نفسه وبعد نظره وقوة بصيرته، ثم يترك الرجل حطاماً ويذهب لحال سبيله.

لم أره يوماً يعمل بيده أو يشارك أو يتعب أو يكدح لتغيير الواقع المحيط، بل لم أكن ادري من أين يكسب قوته أساساً؟

كان الجميع يكره ابو عزة ويكره سماع صوته، بل أصبح الناس يخشون شماتة أبو عزة أكثر من خوفهم من الفشل في حد ذاته، لأن أبو عزة لم يكن لديه أي احساس أو رحمة حين يقع أحد من أهل الحارة بين يديه، ولشدة خوفهم من أذاه، لم يكن ليراجعه أحد، ولا ليناقشه احد لانهم يخشون الوقوع في براثنه يوماً ما.

كان الجميع يتجنب النقاش مع أبو عزة أو انتقاده، كان أبو عزة لا يعرف الرحمة ولا الهوادة ويفتخر بذلك، حتي صار بالنسبة لي شخصية قميئة وبغيضة، فلم يكن أبو عزة ابداً ليهتم بفريق مصر أو غيره ولم يكن يأبه لأهل حارته أو مشاعرهم، كل ما كان يهم أبو عزة هو محاولة فرض نفسه والرسم القهري علي الآخرين أنه عالم ببواطن الأمور وأن لديه بعد نظر ورؤية لا تخيب.

ومع الوقت عرفنا جميعاً كيف نتكيف ونتعايش مع أبو عزة، التجاهل التام كان هو سلاحنا معه، فانتهي به الأمر أنه أصبح يحادث نفسه ويكلمها ويحلل لها ويتفلسف عليها.

فقد فطننا في نهاية الأمر أن كل ما يريده أبو عزة هو اثبات نوع من التميز والفوقية لنفسه.

سوف تسالني ما دخل أبو عزة بما نحن فيه الآن من هرج ومرج؟ أنظر حولك ستعرف الإجابة، لان ما نحن فيه هو الموسم المناسب لتكاثر ونمو أبو عزة، فستري وتسمع مليون أبو عزة في الأيام القادمة.

أعاننا الله علي كل غراب بين يبشرنا بالخراب والهلاك ثم يبادرنا بقوله " مش قلتلكم؟"

الله يرحمك يا أبو عزة ويسامحك علي ما سببته لنا من جراح وآلام.